اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 316
[سورة آل عمران (3) : آية 113]
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)
قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً، في سبب نزولها قولان:
(202) أحدهما: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، احتبس عن صلاة العشاء ليلةً حتى ذهب ثلث الليل، ثم جاء فبشرهم، فقال: «إِنه لا يصلي هذه الصلاة أحدٌ من أهل الكتاب» ، فنزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود.
والثاني: أنه لما أسلم ابن سلاَّم في جماعة من اليهود، قال أحبارهم: ما آمن بمحمد إلا أشرارنا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس، ومقاتل.
وفي معنى الآية قولان: أحدهما: ليس أمة محمد واليهود سواء، هذا قول ابن مسعود، والسدي.
والثاني: ليس اليهود كلهم سواء، بل فيهم من هو قائم بأمر الله، هذا قول ابن عباس، وقتادة. وقال الزجاج: الوقف التام لَيْسُوا سَواءً أي: أهل الكتاب متساوين.
وفي معنى «قائمة» ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الثابتة على أمر الله، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثاني: أنها العادلة، قاله الحسن، ومجاهد، وابن جريج. والثالث: أنها المستقيمة، قاله أبو عبيد، والزجاج. قال الفراء: ذكر أمة واحدة ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبني على أخرى، لأن «سواءً» لا بد لها من اثنين، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه، قال أبو ذؤيب:
عصيت إِليها القلب إني لأمرِهِ ... سميعٌ فما أدري أرشد طلابها؟!
ولم يقل: أم لا، ولا أم غيّ، لأن الكلام معروف المعنى. وقال آخر [1] :
وما أدري إذا يمَّمت أرضاً ... أُريدُ الخَيْرَ أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني
ومثله قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ولم يذكر ضده، لأن في قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [2] ، دليلاً على ما أضمر من ذلك، وقد رد هذا القول الزجاج، فقال: قد جرى ذكر أهل الكتاب في قوله تعالى: كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ فأعلم الله أن منهم أمة قائمة. فما الحاجة إلى أن يقال: وأمة غير قائمة؟ وإنما بدأ بذكر فعل الأكثر منهم، وهو الكفر والمشاقة، فذكر من كان منهم مبايناً لهؤلاء. قال: وآناءَ اللَّيْلِ ساعاته، وواحد
حسن. أخرجه النسائي في «التفسير» 93 وأحمد [1]/ 396 وأبو يعلى 5306 وابن حبان 1530 والبزار 375 «كشف» والواحدي في «أسباب النزول» 238 من حديث ابن مسعود، وإسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النجود، وحسنه السيوطي في «الدر» [2]/ 65 وكما نقل الشوكاني في «فتح القدير» [1]/ 430 ووافقه، وله شاهد من حديث عائشة، أخرجه البخاري 566 ومسلم 638. وشاهد آخر من حديث ابن عمر أخرجه البخاري 564 ومسلم 639 وليس فيهما نزول الآية. فالحديث حسن بتمامه، وأصله صحيح بشواهده، والله أعلم. [1] هو المثقّب العبدي- عائذ بن محصن، والبيت من قصيدة جيدة في المفضّليات. [2] سورة الزمر: 9.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 316